فهذه الظاهرة كان أول ظهورها في أن الرجل يشتري أمة فيعجبه صوتها، وهذه ملك يمينه، وله أن يتلذذ بسماع صوتها إن كان صوتها جميلاً، فهي ملكه على أية حال، وكذلك الزوجة التي لها صوت جميل فللزوج أن يسمع صوتها ولا حرج إذا كان مجرداً عن الآلة، فبدءوا يتوسعون في أن يحترف بعض هؤلاء الإماء في الغناء، ثم تباع وتشترى للغناء لا لأنها أمة، وهنا بدأت المشكلة، ثم تطورت الأمور وأصبحت لها قواعد وقوانين، فإذا قرأت في الأغاني مثلاً فإنك تجده يذكر تلك المصطلحات والقوانين، وأصبح للغناء سلالم معينة، ومبادئ وقوانين معينة، وآلات.. وهكذا، ومن هنا قاوم العلماء ذلك، فمثلاً سئل الإمام أحمد رحمه الله -وهذا يدل على فقهه رضي الله تعالى عنه- عن رجل مات وله أيتام، وكان مما خلف: أمة ملك يمين مغنية، وبعض العلماء يفتي هنا: بأن يراعي الأصلح للفقراء، فتباع على أنها مغنية، فيكون لها سعر كبير؛ لأن الأيتام يحتاجون المال، والبعض يقول: لا، ما دام أن هذا الاحتراف حرام فإنها لا تباع بشيء مطلقاً، أي: يتركونها ولا يرثونها، وكأنهم ورثوا خمراً، أو خنزيراً، فإنه لا يورث.
وأما الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه فقال: تباع على أنها ساذجة. أي: تباع على أنها مجرد أمة، وعندما تكون مجرد أمة فإنها تكون بعشرة دنانير أو مائة دينار، أما إذا كانت مغنية فإن القيمة تكون مضاعفة كما قلنا.